عبد الباقي نظام الدين

(1904_1997) السيد" الحسيب النسيب الزعيم الوطني السوري"


نبذة عن السيرة الذاتيه والتاريخ النضالي لمعالي الوزير والنائب عبد الباقي نظام الدين

ولد الزعيم الوطني عبد الباقي نظام الدين ابن محمد رفيق عام 1904 الذي ينتهي نسبه الشريف الى آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو ينسب الى الامام زين العابدين بن الحسين بن علي بن ابي طالب وفاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم.

هو زعيم الجزيرة السوريه بلا منازع ,موحدا كافة فئات وطوائف الشعب هناك من مسلمين ومسيحيين والعشائر العربيه والكرديه,وذلك بطلاقة لسانه في اللغات العربيه والكرديه والتركيه وبتعامله الحسن مع كافة الناس ,وتمتعه بكرم ليس له حدود وخدمته لجميع الناس من دون تفريق ومن غير مصالح شخصيه.

وعرف عن معاليه انه كان قوة موجهة ضد كل من يحاول العبث بتراب الوطن او يتجاوب مع رغبات المستعمر ,فكان يمثل الكتلة الوطنية السورية في منطقة الجزيرة السورية ,وكانت قيادات الجيش الفرنسي غير راضيه عن تاريخه النضالي لكن جميع محاولات المستعمر باءت بالفشل وذهبت ادراج الرياح. ومن هذا المنطلق يذكر له مثال عن ذلك في عام1936 أنه وجه دعوة لكل زعماء العشائر وأعيان الجزيرة لحضور مؤتمر لبحث النضال ضد المستعمر الفرنسي وعقد هذا المؤتمر في جنوب مدينة القامشلي في بلدة اسمها "زنود" وهي معقل قوة و وطنية عبد الباقي نظام الدين وقد كان من هذه البلدة انطلاق نضال مخلص للوطن واستجاب لهذا المؤتمر زعماء العشائر العربية والكردية من شمر وطي والشيتيه وأعيان الجزيرة وغيرهم من زعماء العشائر العربية ,فأدى هذا المؤتمر الى غضب المستعمر الفرنسي فراح يبذل قصارى جهده لإفساد المؤتمر وتمزيق وحدة شمله والقضاء على روح مبادئه الاصيلة وذهب المؤتمرون الى تطبيق بنوده باتخاذ ما يلزم وتحمل شرف المسؤولية الوطنية الملقاة على عاتقهم ,واتباعا لسياسة ايقاع الفرقة والفتنة فقد عرض المستعمر الفرنسي على "السيد" عبد الباقي نظام الدين استقلال الجزيرة السورية على أساس كيان مستقل ودولة معترف بها على ان يتم ترؤسه لهذا الاقليم كونه متعارف عليه انه زعيما عليها, لكن بفضل القيم الأصيلة التي أخذها عبد الباقي نظام الدين عن الآباء والأجداد والتي شب عليها لم يستجب لهذه الاغراءات ورفضها بكل عزة وشموخ قائلا ان الزعيم الوطني يرفض انسلاخ الجزيرة السورية عن وطنها الأم سوريا الواحدة المتوحدة والمتماسكة بكافة مناطقها وطوائفها فوقف الى جانب رفاقه المناضلين من جميع المحافظات السورية داعيا للتصدي للاستعمار الفرنسي والى استقلال الدولة السورية الموحدة. كل هذه الأمور أزعجت سلطات الاستعمار الفرنسي والتي قادها تفكيرها الاستعماري الى محاولة التخلص منه واغتياله لكن العناية الإلهية كانت لهم بالمرصاد وانقذه الله عز وجل من محاولاتهم عدة مرات بفضله تعالى.

وكان عبد الباقي نظام الدين ينسق مع باقي رجالات الوطن وزعماء الكتلة الوطنيه من اجل الاستقلال، وكان يلتقي ايضا مع رئيس الجمهوريه الشيخ تاج الدين الحسني من اجل التشاور معه لدرء ضرر المستعمر الفرنسي وجلب اكبر نفع للبلاد وفي اصدار عفو عن السجناء السياسيين والمساهمة في الغاء الاحكام العرفيه.

وفي عام 1941 اثناء الحرب العالمية الثانية دخل الجيش البريطاني الى الجزيرة واحتلها آتيا من العراق ومن ثم اخذوا يصادرون القمح الموجود في القامشلي وريفها لحاجتهم لها من اجل تموين الجيش البريطاني ،وتطورت معهم الأمور للبدء بمصادرة مؤونة الفلاحين والفقراء الذين استنجدوا بعبد الباقي نظام الدين فمنع الضابط الإنكليزي المولج بالمصادرة فتطورت الملاسنة بينهم الى سحب السلاح مما فاجأ الضابط الإنكليزي الذي اخبر المخابرات الفرنسية والبريطانية بهذا الأمر فما كان منهم الا أن اتهموه بمعاداة الحلفاء واعتقلوه وارسلوه الى المحكمة الميدانية العسكرية في دمشق مع طلب نفيه الى جزيرة "كمران" في المحيط الهندي وكانت مستعمرة من قبل بريطانيا ،وفي دمشق وبعون من الله تعالى وفضله استطاع أن يتملص من المحاكمة والتخفي لأشهر بمساعدة الوطنيين في دمشق ،مع العلم ان اكثر الذين جرى نفيهم الى جزيرة كمران كانوا لا يعودون.

لقد شهد شهر أيار من عام 1945 أحداثاً عظاماً حددت مسارات أمة وخيارات شعب، لكن ما كرسه هذا الشهر من معانٍ سامية، يميزه عن الشهور الأخرى، وخصوصاً لدى الشعب العربي السوري، الذي يُذَّكره أيار بتضحية الذين ناضلوا في سبيل حرية بلدهم واستقلالها، فدفعوا حياتهم ثمناً غالياً للوطن الأغلى، وأغدقوا على مذبح التضحية من خصوبة أرواحهم ودمائهم الكثير. فبدأ الاستعمار الفرنسي بعدوان غادر حيث قامت قواته بضرب المدن السورية الرئيسة وعلى رأسها مدينة دمشق بالمدافع وألقت عليها القنابل من الطائرات, وكانت خطة الاستعمار الفرنسي تقوم على احتلال المجلس النيابي وقتل جميع أعضاء المجلس النيابي والوزراء لكونهم من الكتلة الوطنية وأعيان رجال سوريا الوطنيين وكان باعتقاد المستعمر الفرنسي أنه لو قضت عليهم فسوف تقضي على الحركة الاستقلالية. وكان من المقرر توقيت الهجوم أثناء انعقاد المجلس النيابي ,وبعون الله أدرك عبد الباقي نظام الدين خطة المستعمر الفرنسي فذهب الى المجلس النيابي قبل انعقاد الجلسة بنصف ساعة ودخل الى مكتب دولة رئيس المجلس الزعيم الوطني سعد الله الجابري رحمه الله وقال له ماذا انت فاعل أتريد أن نقتل في حال عقدك الجلسة كما هو مقرر ،وكان الجابري وطنيا بلا حدود وهو المناضل ورفيق درب إبراهيم هنانو قائد الثورة السورية في حلب, فقال الجابري سأعقد الجلسة مهما كلف الأمر فكان رد عبد الباقي نظام الدين وأنا سوف ألغي الجلسة ونادى على النواب الحاضرين وكان عددهم حوالي 25 نائبا فقط وقال لهم لقد ألغيت الجلسة واخرجوا فورا، وتم الأمر. وخرج الجابري أمام قوات الاحتلال متبخترا ومتحديا وذهب ماشيا الى فندق الأوريان بالاس (الشرق) حاليا حيث كان يقيم هناك .وبهذا التصرف الذكي من عبد الباقي نظام الدين تم انقاذ ممثلي الشعب من القتل. وللعلم بدأ الهجوم على المجلس واقتحامه بعد عشر دقائق من خروج النواب منه .و قصفت دار المجلس النيابي في دمشق, ولكن كتب الله له النجاة من حادثة قصف الاستعمار الفرنسي للبرلمان السوري في دمشق بتاريخ 29 أيار 1945 حيث هجم جنود الاستعمار بهمجية وحقد على البرلمان فدافعت عنه حامية من رجال الدرك والشرطة الذين دافعوا عنه بشراسة حتى الرمق الأخير فاستشهد منهم في ذلك اليوم المشهود 28 شهيدا دفاعا عن دار الشعب الممثل بالبرلمان السوري. واستمر نضال عبد الباقي نظام الدين ورفاقه في الكتلة الوطنية حتى عام 1946 الى أن تحقق الحلم وحقق نضال الشعب السوري الاستقلال التام في دمشق وفي الجزيرة السورية وكل المدن السورية وتم جلاء القوات الفرنسية والبريطانية عن أراضيها في 17 /نيسان/ 1946، فاعتبر هذا اليوم عيداً وطنياً جامعا لكل أفراد الشعب السوري بطوائفه وعشائره ومدنييه حيث تم استقلال سوريه واعلان الجمهوريه السورية.

الزعيم الوطني عبد الباقي نظام الدين وإفشاله خطة الاتستعمار الفرنسي في التقسيم

منذ أن أكملت فرنسا احتلال كامل سوريا عمدت لكي توطد أقدامها الاستعمارية فخططت الى محاولة تقسيم سوريا الى دويلات ومقاطعات صغيرة لكي تتمكن من السيطرة الكاملة والمريحة عليها (سياسة فرق تسد) وفي هذا السياق عمدت الى تشجيع بعض الأقليات وضعاف النفوس بالمطالبه الى انفصال الجزيرة السوريه (محافظة الحسكة)عن الوطن الآم وأرسلت المسيو غبرييل بييو مبعوثا ساميا لاستطلاع رأي المواطنين في الجزيرة فقابل في القامشلي ممثل الوطنيين عبد الباقي نظام الدين الذي رفض الانفصال وقال ان الجزيرة هي جزء أساسي من الوطن الأم سوريا وأنه يمثل جميع وجهاء وزعماء القبائل في الجزيرة السوريه وهنا سأله المسيو بييو لإحراجه وهل انت مفوض من قبل حاجو أغا (وكان من زعماء الانفصاليين),وهل أنت مفوض من قبل دهام الهادي شيخ عشيرة شمر فأجاب : نعم أنا مفوض من قبلهم كذلك.فقال المسيو بييو أنا ذاهب الى الحسكة وسأسألهم وفعلا لما سألهم المسيو بييو في الحسكة هل أنتم فوضتم عبد الباقي نظام الدين، فقالوا "أهو قال هذا الكلام" فأجابهم المسيو بييو "نعم". فأجابوا "نعم نحن فوضنا عبد الباقي نظام الدين" وما ذلك الا احتراما لمكانته وأدباً منهم .مما فاجأ المسيو بييو وعاد الى دمشق خائبا بأنه لا أمل بانفصال الجزيرة. وقد خلد الشاعر الوطني خليل مردم بك هذه الواقعة بقصيدة رائعة.

وما بين عام 1945-1946 وعند بدء انسحاب القوات الفرنسيه من سوريا وخوفا من أي خيانة من قبلهم ,طلب من رئيس وزراء سوريا وقتها السيد جميل مردم بك بأن يكون بدء الانسحاب من محافظة الحسكة وفعلا جرى الطلب رسميا بذلك وكان قد تم الاتفاق مع الضباط السوريين الوطنيين المتواجدين في محافظة الحسكة بأن يعلنوا التمرد وهؤلاء الضباط للتاريخ هم الرواد آنذاك :توفيق بشور وتوفيق نظام الدين، شقيق عبد الباقي نظام الدين، وأديب الشيشكلي.

لقد استحق عبد الباقي نظام الدين لقب زعيم بجدارة كيف لا والتاريخ والجميع يشهد بشجاعته و بوطنيته واخلاصه وشهامته ومروءته وكرمه ورعايته للقاصي والداني ونضاله من اجل الاستقلال ثم المحافظة على الاستقلال والعمل بأمانة وجهد واخلاص في كل ما أوكل اليه من مهام ومناصب وكان شعاره الدائم العمل بالآية الكريمة التي كان يرددها دائما ( وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) صدق الله العظيم.

معالي عبد الباقي نظام الدين والاحزاب السياسيه في سوريا

عاشت سوريا بعد تحقيق استقلالها في 17 نيسان 1946 وضعاً مثالياً في الحكم السياسي تميز بالديمقراطية وحرية الرأي والتعبير حيث كانت جميع الأحزاب السياسية تمارس نشاطها على الساحة الوطنية بحرية مصونة وفق القوانين والدستور لاسيما الاحزاب التي كان يترشح فيها عبد الباقي نظام الدين ابتداء بالكتلة الوطنية وحزب الشعب وكتلة الجمهوريين الاحرار ثم الكتلة النيابية الديمقراطية.

فالكتلة الوطنية التي تشكلت بهدف مقاومة الاستعمار الفرنسي من خلال المجلس النيابي وكان من ابرزهم الزعيم عبد الباقي نظام الدين الذي نشط خلال ربع قرن وناضل مع رفاقه في الدرب من اجل انهاء الانتداب الفرنسي وقد ساهم بذلك مع حزبه الاول الذي انضم اليه وهي الكتلة الوطنية التي ضمت شخصيات سياسيه واجتماعيه بارزة على تولي قيادة البلاد للاستقلال ومابعد الاستقلال ومن هذه الشخصيات: شكري القوتلي وهاشم الاتاسي وسلطان الأطرش وصالح العلي وسعد الله الجابري وناظم القدسي ورشدي الكيخيا وجميل مردم بك ,فارس الخوري ,وغيرهم من اعيان سوريه مسلمين ومسيحيين وعرب واكراد ودروز واسماعيليين وعلويين وتركمان متوحدين وموحدين .

وقد شهدت سوريا في السنوات التي اعقبت الاستقلال وضعا مليئا بالحيوية السياسية ومارست الاحزاب والجمعيات والصحافه السورية في ظله نشاطها بحريه ,وضمن هذا النظام الديمقراطي كانت تجري انتخابات حرة ونزيهة بإشراف وزارة الداخلية السورية آنذاك. وقد دخل معالي عبد الباقي نظام الدين الى البرلمان المنتخب الى جانب الاحزاب السياسية المتواجدة في ذلك الوقت بالاضافه الى عدد لابأس به من المستقلين ومن زعماء العشائر. وفي هذه المرحلة تحولت سوريا الى واحة للحريه والديمقراطيه وملجأ لأحرار الشرق الأوسط والبلدان العربيه والعالم, فكانت دمشق تعج بالمناضلين من كل حدب وصوب.

ومن الجدير بالذكر انه في هذه المرحلة التي اتسمت بالديمقراطيه افسحت المجال للسوريين كافة امام حرية الرأي والتعبير والتجمع والتظاهر والعمل السياسي على أوسع نطاق وكان هذا الوضع يشكل وضعا سياسيا ذهبيا بالنسبة للشرق الأوسط خاصة والبلاد عامة والذي استمر على هذا الوضع حتى 22 شباط 1958,وذلك رغم الانقلابات العسكريه والتأثيرات من دول الجوار العربي أو الدول الأجنبية.

لقد تميز الحراك السياسي السوري بعد الاستقلال بالروح الوطنيه العالية لدى رجالات سوريا وقد اسسوا جسر العبور لسوريا من القرون السابقة الى نور الحضارة والديمقراطيه والاستقلال السياسي فكان شعار معالي الزعيم الوطني عبد الباقي نظام الدين الوطن أولا هو الدليل الذي اهتدى به معظم الحكومات التي مرت على سوريا والذي كان عبد الباقي نظام الدين ممثلا فيها نيابيا ووزاريا منذ انتخاب برلمانها التأسيسي الأول مرورا بالاستقلال عام 1946 وانتهاء في عام 1958 اذ كان يساهم عبد الباقي نظام الدين من خلال دوره النيابي والوزاري والاجتماعي في التطور الاقتصادي والسياسي والاجتماعي للدولة السورية.

فكان يبذل عبد الباقي نظام الدين قصارى جهده للوصول بالسوريين الى مرحلة الكمال وكانت الانتخابات النيابيه تتم بطريقة جديه وراقيه اذ تروج كل جريدة حزبيه لأعضاء حزبها المرشحين للانتخابات ونلاحظ ان الحزب الذي ينتمي اليه هم من مختلف مذاهب المجتمع السوري حيث يمثل ذلك قمة الحضارة والتقدم في العمل السياسي. وكان لدى معالي عبد الباقي نظام الدين من الخبرة السياسيه والأمانة والاخلاص للوطن ان كان محل ثقة جميع الأحزاب في تلك الفترة فكان يطلب منه رئيس الجمهوريه سواء فخامة هاشم الأتاسي او فخامة شكري القوتلي على التوفيق بين الأحزاب في تشكيل الحقائب الوزاريه من اجل تسهيل تشكيل الحكومات الوزاريه. وذات مرة طلب منه الرئيس هاشم الأتاسي وكلفه بمنصب رئيس وزراء على أن يشكل هو الوزارة فاعتذر عن ذلك. وكذلك طلب منه بعد انقلاب 1952 ان يتولى هو رئاسة الجمهوريه لكنه اعتذر ايضا مفضلا بقاؤه قريبا من الناس وخدمة الوطن من خلال منصبه النيابي والوزاري. هكذا كانت الانتخابات السوريه في ذلك العهد كما روتها ووثقتها صحف أيام زمان وكما عاشها آباؤنا وأجدادنا السوريون. هي الانتخابات التي وصفها قادة العالم أجمع بأكثر الانتخابات نزاهة بالشرق الأوسط. وكان يتعهد معالي الوزير عبد الباقي نظام الدين الوزارة الموكلة اليه بأمانة واخلاص فكان ان تولى عدة حقائب وزاريه منها :
  • وزارة الزراعة.
  • وزارة الاشغال العامة والمواصلات: التي انبثقت منها عدة وزارات فيما بعد.
  • وزارة الصحة.
  • وزارة العدل.
وبعد ان ادى الأمانة انتقل عبد الباقي نظام الدين الى رحمته تعالى في 22 نيسان 1997 الموافق 15 ذو الحجة 1417 للهجرة.
يقول الله عز وجل في قرآنه الكريم: ( مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا) صدق الله العظيم.

ان هذه الآية الكريمة شاهدة على عبد الباقي نظام الدين في حياته فكان أن كتبت على شاهدة قبره في مقبرة الدحداح بدمشق .

عبد الباقي نظام الدين ومدينة القامشلي

لقد كان لعبد الباقي نظام الدين الأثر الكبير في عمران وازدهار مدينة القامشلي فمنذ الاستقلال وجلاء الفرنسيين عن سوريا ساهم في ان تصبح القامشلي مدينة مشرعة الأبواب مفتوحة لمن يستطيع تقديم خدمات انتاجية للوطن لذا جاءها من أواخر الاربعينيات أناس من مختلف المحافظات السوريه ومن مختلف الطوائف وكانت الموجات الأوسع فيها تأتيها بالصيف مع مواسم العمل في الجزيرة حيث يبتدئ فيها الحصاد فبالتالي اصبحت القامشلي المركز التجاري الأهم وعقدة المواصلات في الجزيرة اذ يوجد محطة للقطارات القادمة من تركيا وأوروبا الى بغداد في العراق وقطار آخر يتجه نحو دمشق ناهيك عن المطار المدني في المدينة والذي تم إنشاؤه على أراضيه الخاصة التي يملكها في قرية "هيمو". كل ذلك ساهم في تطوير مدينة القامشلي وجعلها عاصمة اقتصادية وواقعية للجزيرة السورية، فأصبحت القامشلي كمركز تجاري كبير في الجزيرة السورية بالإضافة الى تمتعها بالمركز السياسي والثقافي الكبير فأبرزت بذلك وجها حضاريا سطع به اسم قامشلي مما جعلها تصبح عاصمة الجزيرة الأولى في سوريا ومركزها السياسي والاقتصادي.

تقدمت المدينة في العمران وكان لعبد الباقي الأثر الكبير في العلاقات الاجتماعية لاسيما انه يتقن اللغة العربية واللغة التركية واللغة الكردية فكان لذلك الأثر الكبير في ازدهار العلاقات الاجتماعية والسياسية وكان موضع محبة وتقدير واحترام جميع الطوائف والقوميات والأثنيات المتواجدة في الجزيرة وعددها ثمانية عشر نذكر منهم:
العرب والأكراد والسريان والأرمن والآشوريين والكلدان والشيشان والشركس. لقد جمع كل هذه الفئات في بوتقة واحدة غايتها بناء الوطن الحر والمستقر والنامي لما فيه خير البلاد والعباد. وبعد الاستقلال سرت شائعات بين المسيحيين من أجل الهجرة من الجزيرة فما كان منه بعد التشاور مع صديقه النائب الوطني عن السريان السيد سعيد إسحاق رحمه الله الا أن عرضوا الآمر على رئيس الجمهوريه فخامة شكري القوتلي وطلبوا منه القدوم الى المحافظة لطمئنة المسيحيين, وفعلا لبى فخامته هذا الطلب وقام بزيارة مدينة القامشلي عام 1947وألقى خطبته المشهورة (الناس سواسيه كأسنان المشط وعفى الله عما مضى) فاطمأن المسيحيون وكان لهم باع طويل في النهضة الزراعية والاقتصادية في المنطقة, كل ذلك جعل عبد الباقي نظام الدين زعيما اجتماعيا وسياسيا لدى مختلف الطوائف والديانات.

للذكرى العطرة والتاريخ الجميل

بفضل من الله ورعايته وحفظه وفي عام 1955 عندما كان معالي الوزير عبد الباقي نظام الدين وزيرا للأشغال العامة والمواصلات في الحكومة السوريه وبناء على طلب خاص من رئيس الجمهوريه في ذلك الوقت فخامة الرئيس شكري القوتلي بأن يدعوه والوزراء وبعض النواب والسفراء العرب والأجانب لزيارة مدينة القامشلي.

فوافق عبد الباقي نظام الدين وهو الحسيب النسيب الكريم على ذلك وعلى نفقته الخاصة فتم استئجار ثلاث طائرات مدنيه من شركة الطيران العربيه السوريه ليوم كامل ولرحلة بدأت من دمشق الى تدمر أولا لزيارة الأثار لمدة ساعة واحدة ثم اكمال السفر الى القامشلي وكان ان قد جهز لهم عبد الباقي نظام الدين استقبالا رسميا وشعبيا ثم دعاهم للغداء في بلدة زعامته وقيادته الوطنيه واسمها "زنود" ملاصقة للقامشلي في سرادق ضخم وكان كل ذلك على نفقته الخاصة .وقد قدر عدد الحضور بأكثر من عشرين ألف شخص .

فكانت رحلة جميلة وموفقه وهادفه باركها الله بالغوث من الماء المنهمر من السماء بغزارة فكانت المواسم الزراعية مليئة بالخيرات والبركة من الله سبحانه وتعالى.

مشروع سهل الغاب

ان فكرة تجفيف مستنقع الغاب وتحويل اراضيه الى اراض خصبه واستثمارها بشكل منظم فكرة قديمة لم تبرز الى حيز الوجود الا بعد ان استقلت سوريا واصبحت تمسك بزمام الامور بيدها فقام وزير الاشغال العامة والمواصلات عبد الباقي نظام الدين بإحداث مؤسسة الغاب وأوكل اليها القيام بدراسات لتحقيق هذا الهدف الكبير وخولها حق الاشراف والتنفيذ معا . لقد كان مشروع الغاب من المشاريع الهامة والحضارية في تاريخ سوريا الحديثة اذ كان قسم من سهل الغاب مستنقعا تم تجفيفه واستصلاحه ليصبح سهل الغاب من اهم المناطق الزراعية خصوبة في الاستثمار الزراعي والثروة الحيوانية.

مشروع جر مياه الفرات إلى مدينة حلب

وفي عام 1945 بدأت مياه الشرب التي كانت تجلب للمدينة من آبار عين التل وينابيع حيلان بالانقطاع فتشكلت لجنة للبحث في اسباب انقطاع المياه فتبين ان السبب هو انخفاض المياه الجوفية و تزايد الاستهلاك و لكن الازمة تفاقمت فما كان الا ان تم طرح اقتراح على الحكومة بجر مياه من الفرات لإرواء مدينة حلب فرصد معالي وزير الاشغال العامة والمواصلات عبدالباقي نظام الدين مبلغا لتنفيذ جر الماء من نهر الفرات لحلب لإرواء المدينة و ما حولها من مياه نهر الفرات وكان المبلغ المرصود كافياً لحفر قناة تكفي لاستجرار 50 ألف متر مكعب يومياً من ماء الفرات وفي بداية الخمسينيات وصلت مياه الفرات لأول مرة لحلب و تم الاستغناء عن آبار عين التل و ينابيع حيلان فتوسعت أحياء المدينة منذ ذلك التاريخ ، وازداد عدد سكانها كثيراً كما زاد ازدهار الحياة الاقتصادية.
جميع الحقوق محفوظة © عبد الباقي نظام الدين